الزائر نيبيرو يقترب.. هل حانت نهاية الحياة على الأرض حقا؟

قبل عدة عقود، تمكَّنت وكالتا الفضاء الأميركية والروسية من رصد دفقات كهرومغناطيسية غير اعتيادية من مصدر غامض في كوكبة القوس، بعد دراسة الأمر تبيَّن أنه جُرم يقترب من المجموعة الشمسية

تَحدَّد موعد وصوله بين عامَيْ 2017-2020، وكما يبدو فإننا نتحدَّث عن شيء غريب، فهو كوكب في إحدى صوره، ومُذنَّب في صورة أخرى، لذلك أعطاه البعض اسم “الكوكب ذو الذنب”، مُتأثِّرا بالتراث العربي.

عادة ما تبدأ الحكاية، على إحدى مجموعات فيسبوك أو هاشتاغات تويتر وإنستغرام، بادِّعاء شبيه بما ورد في الفقرة السابقة

لكن في الواقع فإن قصة “نيبيرو” أو “الكوكب ذو الذنب” بدأت تحديدا في التسعينيات من القرن الفائت حينما ادَّعت مواطنة أميركية تُدعى نانسي ليدار(1) أنها تواصلت مع كائنات فضائية رمادية اللون سمَّتها “الزيتانيون”، زرعت هذه الكائنات جهاز اتصالات في دماغها لأجل دراستها بوصفها بشرية.

وفي مقابل هذه الخدمة البيولوجية التي قدَّمتها السيدة ليدار للكائنات الرمادية، أخبروها بمعلومة غاية في السرية، وهي أن هناك جُرما كبيرا يُسمى “الكوكب إكس”

سيمر قريبا بالأرض ويُدمِّر الحضارة. وصفت ليدار هذا الجُرم بأنه كروي، يساوي أربعة أضعاف حجم الأرض، وقالت إنه سيصل في 27 مايو/أيار 2003.

بالطبع لم يصل شيء، وإلا لم تكن لتقرأ هذا الكلام الآن، قالت ليدر بعد ذلك إنها كذبت مُتعمِّدة لخداع الحكومات، لأنها لو أعلنت عن الموعد الحقيقي لاقتراب الكوكب فإن ذلك سيمنح السلطة وقتا كافيا لإعلان الأحكام العُرفية وحبس الناس في المدن، في تلك النقطة الزمنية يظهر(2) “زكريا سيتيشن”

وهو كاتب أميركي من أصول روسية كان يُنظِّر لفرضية “الكائنات الفضائية القديمة”، حيث ادَّعى أن الفضائيين زاروا الأرض قبل آلاف السنين، وأخبروا السومريين بأسرار علم الفلك

ومنها أن كوكبا يُدعى “نيبيرو” يقترب من الأرض وقد يصطدم به قريبا، ووفقا لتفسير سيتشن للنصوص الدينية القديمة لبلاد ما بين النهرين، فإن نيبيرو يمر كل 3600 عام.

بلغ الأمر ذروته سنة 2012، حيث فسَّر بعض هواة علم الآثار صفحات من نصوص حضارة المايا القديمة، وقالوا إنها تُشير إلى نهاية العالم في 2012، تحديدا 31 ديسمبر/كانون الأول

بسبب اقتراب أحد الكواكب من الأرض، وهو ما سيتسبَّب في براكين وزلازل وأعاصير شديدة تُنهي حياة البشر، كان ذلك هو أكبر “ترند” عالمي في تلك الفترة، لدرجة أنه استُغِلَّ لصناعة فيلم يحمل القصة نفسها (2012)

وقد سبَّب جدلا في الوطن العربي حينها بسبب مشاهد لها علاقة بالكعبة المشرَّفة، لكن لم يحدث شيء بالطبع، ومرَّت الليلة الأخيرة في هذا العام بسلام.

هل تعتقد أن الأمر توقَّف عند هذا الحد واقتنع الناس أنها مجرد خرافة؟ بدأ الأمر من جديد في عام 2017، حينما أعاد أحد مُنظِّري المؤامرة، ويُسمى ديفيد ميد(3)

أطلق على نفسه لقب “عالم الأعداد المسيحية”، بطرح الفكرة مرة أخرى. هذه المرة ربط ميد ادّعاءاته بمقاطع مختلفة من الكتاب المقدس، وقال إن الإنجيل يحتوي على رموز عددية سرية تكشف التاريخ الدقيق الذي سيصل فيه نيبيرو، وهو أكتوبر/تشرين الأول 2017، لكنه عدَّل التاريخ لاحقا إلى 23 سبتمبر/أيلول.

ادَّعى ميد كذلك أنه استخدم هندسة أهرامات الجيزة للتنبؤ بالموعد الدقيق لوصول نيبيرو، الأمر الذي أدخل الحضارة المصرية القديمة في الحكاية، تحديدا استخدم البعض رمز الشمس المُجنَّحة أو “شمس طيبة المُجنَّحة” وقال إنها تُمثِّل الكوكب نيبيرو، وبالفعل فإن بعض صور الشمس الصادرة من أحد تلسكوبات الوكالة تُبيِّن ما يظهر على أنه “جُرم” مُجنَّح!

مرة أخرى، لم يحدث شيء، ولكن الحكاية استمرَّت، وتشعَّبت لمئات القصص، وربطها المدونون العرب بأحاديث مروية عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وفسَّروا آيات قرآنية على أنها تقصد موعد اقتراب نيبيرو من الأرض، ما أعطى هذه الخرافة درجة صلابة جعلتها تستمر وتتمدد، إلى درجة أن مَن يُشكِّك بها يمكن أن يُتَّهم بأنه يخالف كلام الله!

من وجهة نظر فلكية(4)، لا يمكن أن يقترب أحد الكواكب بهذا الشكل من الأرض دون أن نُدرك وجوده، حيث سيكون مُنيرا في السماء لعدة أشهر أو سنوات قبل وصوله

مثلما تفعل كواكب مثل المشتري أو زحل طوال العام، يعني ذلك أن كوكب نيبرو كان ليُرى في تلسكوبات هواة الفلك في العالم أجمع وليس الوكالات الفضائية فقط، فأي شخص يمتلك تلسكوبا متوسطا، مثل كاتب التقرير وآلاف مثله في الوطن العربي، يمكن ببساطة أن يلاحظ وجوده، وعلى جانب آخر

فإن مرور كوكب كبير نسبيا بين الكواكب الأخرى كان ليُؤثِّر بوضوح شديد في مداراتها بحيث يتمكَّن الفلكيون وهواة الفلك في كل العالم من ملاحظة ذلك من مسافات بعيدة جدا، وبالتالي فإن “نيبيرو” من المؤكد أنه ليس حتّى ضمن الكواكب الثمانية للمجموعة الشمسية.

أما الادِّعاء بأن “نيبرو” يتخذ مدارا حول الشمس مرة كل 3600 سنة فهو أيضا لا يمكن أن يكون صحيحا(5)، حيث إن وجود كوكب يخترق مدارات الكواكب الأخرى بهذا الشكل كان ليدفع المنظومة الكوكبية حول الشمس للانهيار منذ مليارات السنين، وبالتالي، تبقَّى الاعتقاد الراجح أن هذا الكوكب غير موجود من الأساس.

وبالنسبة إلى الصور التي يستشهد بها مُنظِّرو المؤامرة على أنها “دليل وجود نيبرو”، التي يظهر بها جُرم مُجنَّح إلى جوار الشمس، فإنها في الواقع نتيجة لما يُسمى “بالصور الكاذبة” (False images)

التي تلتقطها تلسكوبات شمسية مثل “سوهو” (SOHO)، بغرض دراسة المحيط الشمسي، هذا النوع من الصور يشهد أخطاء كثيرة أثناء الالتقاط، ويمكن لك فهم كيفية التقاطها والاطلاع عليها مجانا من صفحة منصة التلسكوب(6،7)، فالأمر ليس سريا وغامضا كما يدَّعي البعض.

من جانب آخر، يحاول البعض أن يربط بين أسطورة “نيبيرو” وما نعرفه الآن باسم “الكوكب 9″، لكن الأخير هو(8) جسم افتراضي يتوقَّع بعض العلماء وجوده في الإطار الخارجي للمجموعة الشمسية بسبب بعض الشذوذات في مدارات الأجرام ما بعد النبتونية

(الواقعة خلف كوكب نبتون آخر كواكب المجموعة الشمسية)، لكن بفرض وجود الكوكب التاسع أصلا، فإنه حينما يكون قريبا من الشمس يصبح على مسافة منها تساوي نحو 4-5 أضعاف المسافة بين الشمس وكوكب نبتون نفسه، ما يعني أنه أبعد ما يكون عن الأرض ولا يمكن أن يتدخَّل في مدارات الكواكب.

يقف فريق آخر من مُنظِّري “نيبيرو” العرب خلف فرضية تقول إنه مُذنَّب يقترب من الأرض، وقد ازدهرت تلك الفكرة في سنة 2020 بينما كان المُذنَّب “نيو-وايز” يمر بنا وانتشرت صوره في وسائل التواصل الاجتماعي العربية.

وبحسب تعريف وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، فإن الأجرام التي تمر قريبا من الأرض (Near-Earth objects)، أو (NEOs)، هي الكويكبات والمُذنَّبات التي تدور حول الشمس، لكن مداراتها تجلبها إلى جوار الأرض في نطاق 45-50 مليون كيلومتر من خط سير الأرض.

دائما، تتبَّع وكالات الفضاء حول العالم الأجرام التي تمر قريبا من الأرض، وتُعطي إعلانات دورية عن هذا الأمر أوتوماتيكيًّا، بل وتضع تلك الوكالات توقُّعاتها لأي جسم يُعتقد أنه سيمر بالأرض خلال مئات السنوات القادمة

وتضع احتمالات الإصابة، وما وصلت إليه تلك النماذج هو أنه لا يوجد أي كويكب أو مُذنَّب معروف يُشكِّل خطرا كبيرا على الأرض على مدار مئة عام قادمة(9)، وأن أعلى نسبة مخاطر لاصطدام كويكب معروف بالأرض هي 1: 714، وهي نسبة مُسجَّلة لكويكب من المُرجَّح أن يقترب من الأرض في عام 2185 القادم!

على الرغم من كل تلك الدلائل، فإن خرافة نيبيرو ما زالت تجد صدى في الوطن العربي وتتحوَّل إلى “ترند” من حين إلى آخر، خاصة خلال العامين الماضيين مع انتشار الوباء في كل بقاع الأرض، فالأحداث بهذا الحجم عادة ما تجلب معها تسونامي هائل

من نظريات المؤامرة التي عادة ما تبني نفسها حول فرضية نهاية العالم، لأن بعض الناس لا يمكن بسهولة أن يُصدِّقوا أن كل ذلك منبعه “طبيعة الأشياء” على سطح هذا الكوكب، ورغم أن هجمات الأوبئة تكرَّرت عددا لا حصر له من المرات، فإن كل مرة منها كانت تجربة فريدة من نوعها بالنسبة لسكان الكوكب.

لكن من المثير للانتباه حقا أن نرصد خط سير هذا النوع من الخرافات، بداية من الولايات المتحدة الأميركية وصولا إلى الوطن العربي الآن، على سبيل المثال

في أوروبا والولايات المتحدة كانت الستينيات هي الوقت المثالي لتأخذ المعتقدات البديلة مكانة بارزة، حيث كانت حالة عدم اليقين الهائلة في أعقاب الحرب العالمية الثانية السبب الذي أشعل ثورة الثقافة المضادة: معتقدات العصر الجديد، الطب البديل، العلاج بالطاقة، الأطباق الطائرة، والحركات المناهضة للبيولوجيا التطورية وغيرها.

أما نحن، فخلال عقد مضى تعرَّضنا لموجة شك هائلة مشابهة في أعقاب ثورات الربيع العربي، ما أدَّى بدوره إلى حركات مضادة للعلم والعقلانية

لكن هذه الحركات، التي عادة ما تكون عشوائية إلى أن تجد مُنظِّرين وداعمين من مشاهير وسائل التواصل، لم تُقدِّم شيئا جديدا، وكل ما فعلته أنها اقتبست نظريات المؤامرة والخرافات الأميركية وأعادت إنتاجها في مجتمعنا العربي بصبغتنا الثقافية الخاصة.

زكريا سيتيشن
لا أحد في الوطن العربي مثلا يعرف أن زكريا سيتيشن، الذي عادة ما يُذكر اسمه في نقاشات وسائل التواصل حول نيبيرو وغيره، ويُنظر إليه على أنه عالم مُتمكِّن، كان يرى أن الكائنات الفضائية هي مَن وضعت البشر على سطح الأرض، وأن آلهة بلاد ما بين النهرين القديمة كانوا روَّاد فضاء من كوكب “نيبيرو”

وفي المجمل فإن حركات “الكائنات الفضائية القديمة”(10) تعتقد أن “الله” كان رائد فضاء، وقد أدَّى ذلك بالتبعية إلى ظهور نوع من الحركات الدينية، مثل الثيوصوفيا والسيانتولوجيا والرائيلية

ادَّعت أن بوابة السماء فُتِحَت قديما باتصالات “ذكية” مع كائنات من خارج كوكب الأرض، وأن الكتب المقدسة والأحداث الدينية (النبوة والمعجزات) مرتبطة بفعل كائنات فضائية من أنظمة كوكبية أخرى.

حاليا، على سبيل المثال، يُروِّج الكثيرون لمنشورات مُضلِّلة حول لقاحات “كوفيد-19″، وحول المرض نفسه، وخلال الشهور الأولى للجائحة انتشر فيديو لرجل يُدعى ديفيد أيك، وهو مُنظِّر مؤامرة بريطاني شهير

يقول إن كورونا مؤامرة عالمية تخدم 1% فقط من البشر، ربما يظن القارئ أو المشاهد العربي أن أيك كاتب شهير أو سفير دولة ما قرَّر أن يثور على القواعد ويُعلِّم العامة أسرار الحكومات، لكن هل تعرف أننا نتحدث عن الرجل نفسه الذي ادَّعى قبل عدة عقود بأنه ابن الله؟

لا أحد يعرف ذلك، لا أحد يعرف كذلك أنه تَصوَّر أن القدرات الإعجازية التي كان يملكها نبي الله عيسى -عليه السلام- كانت بفضل كائنات فضائية

وأن العالم حاليا تحكمه مجموعة من السحالي القادمة من الفضاء التي تُسخِّر حكومات العالم لخدمتها بقيادة ملكة إنجلترا، ولو عرف القارئ العربي بتلك الأصول لرفضها فورا، لكن -كما أوضحنا قبل قليل- فإن مُنظِّري المؤامرة العرب عادة ما يُزيلون هذه الجذور التي تُنفِّر الناس، سواء عقائديا أو منطقيا، ويضعون للنظريات جذورا جديدة بثقافة عربية.

لهذا السبب فإننا، إذ نُناقش أمر الخرافات التي تنتشر بيننا اليوم، يجب علينا أن ننتبه لفكرة أن ما يفعله المُروِّجون لهذه الأفكار، من أصدقائنا أو معارفنا الافتراضيين

ليس إلا استيراد هراء الغرب إلى عالمنا العربي، هراء عادة ما يكون مُلوَّثا بادِّعاءات غاية في السذاجة لا تتعارض فقط مع التفكير السليم، ولكنها تنتهك أيضا -ربما من حيث لا ندري- الكثير من قيمنا العقائدية الراسخة.
المصدر: الجزيرة
الكاتب: شادي عبدالحافظ