صحيفة فرنسية: وداعاً للنفوذ الغربي في العالم العربي…مستعمرون جدد على الطريق إلى الشرق الأوسط

اعتبرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في تقرير نشرته بعددها الصادر السبت؛ أن الانسحاب الأمريكي من سوريا ليس سوى آخر علامة على التراجع الغربي الكبير في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم. وقالت الصحيفة إن الغرب بالكاد بقي له رأي في المشهد السياسي والأمني السوري، إذ إنّ كل شيء يحدث داخل نادي أستانا بين الأتراك والإيرانيين والروس.

وفِي تركيا، فشلت الدول الغربية في إقناع الرئيس أردوغان للحفاظ على الهدنة كان قد أسسها مع الأكراد في مايو/ أيار 2013. بينما لم يعد لدى الغربيين الآن نفوذ أكثر من إيران في لبنان التي يمتلك حزب الله الفيتو على كل القرارات الإستراتيجية لحكومتها. كما فشل الغرب كذلك في منع الكارثة الإنسانية في اليمن الناجمة عن تدخل حلفائه السعوديين والإماراتيين في مارس/ آذار 2015 ضد المتمردين الحوثيين الذين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء.

وفي منطقة الخليج، تتابع لوفيغارو، لم يرى الغربيون في ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان سوى أنه إصلاحي؛ وغضوا البصر عن مغامراته العسكرية وتهوره السياسي. وأوضحت الصحيفة أن الرياض ارتكبت بين عامي 2012 و2016 ، ثلاثة أخطاء كارثية في السياسة الخارجية: تدخلت في الحرب الأهلية السورية وقامت بتمويل وتسليح الجهاديين قبل أن تفقد اليوم أي سيطرة عليها، كما تدخلت في الحرب الأهلية اليمنية، بينما لم تكن مهددة من قبل الحوثيين الذين لا تزال تقاتلهم دون تحقيق أي انتصار ميداني. وثالثها، في يونيو/حزيران 2017 ، عندما فرضت المملكة حصاراً بريًا وجويًا وبحريًا على دولة قطر، دون أن ينجح هذا الحصار في إضعاف الدوحة. وعلى مدار عام ونصف العام، لم ينجح الغربيون في تحقيق المصالحة في مجلس التعاون الخليجي.

وفي فلسطين، تتابع الصحيفة، فشلت الدولة الغربية في فرض مقترح حل الدولتين الذي تتحدث عنه منذ ثلاثين عامًا. إذ لم يعد هذا الحل حديث الساعة اليوم في ظل تزايد الاستيطان بالضفة الغربية وبعد قرار دونالد ترومب الاعتراف بالقدس عاصمة .

في ليبيا؛ خلق الغربيون حالة من الفوضى لم يعد قادرا على التعامل معها. فجهود المصالحة التي بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوليو/ تموز 2017 في باريس، لا تبدو ملموسة حتى الآن. أما في إيران؛ ورغم كل العقوبات الإضافية الأحادية التي أقرها دونالد ترامب في مايو/ أيار الماضي، غير أن واشنطن لم تنجح في تغيير النظام. ومع أن بريطانيا وفرنسا تريدان الحفاظ على اتفاق النووي وتعليق العقوبات التجارية على إيران، إلا أنهما تجدان نفسيهما مرغمتان على الخضوع للإملاءات الاقتصادية الأمريكية، خوفاً من انتقام واشنطن. وعليه، فإنه من الطبيعي أن تتجه إيران بشكل كبير نحو روسيا والصين من“ أجل البقاء”، كما توضح الصحيفة الفرنسية دائماً.

واليوم؛ عندما يتحدث الغربيون عن مستقبل الشرق الأوسط، لا أحد يستمع إليهم، سواء داخل أو خارج المنطقة. وهنا، تساءلت صحيفة “لوفيغارو”: كيف وصل الغرب إلى مثل هذا العجز الإستراتيجي؟ رداً على السؤال، اعتبرت “لوفيغارو” أن الغرب ارتكب ثلاثة أخطاء رئيسية: الأول يتمثل في المحافظين الجدد، الحركة التي تعتقد أنه يمكن فرض الديمقراطية على الشعوب الأجنبية بقوة السلاح. فكان غزو العراق عام 2003 والفوضى الرهيبة التي تسبب فيها- عارضته فرنسا- خطأ استراتيجياً عميقاً.

الخطأ الثاني الذي ارتكبه الغربيون، هو إخضاع سياساتهم الخارجية إلى متطلباتهم الانتخابية الداخلية. إن اعتبارات السياسة الداخلية ليست غريبة على قرار نيكولا ساركوزي، قبل عام من الانتخابات الرئاسية، بالتدخل عسكريا في ليبيا. وسياسة ترامب مع إيران، البلد الذي تكرهه قاعدته الانتخابية منذ أربعين عاما. لقد أقنعت الأمثلة الكارثية للعراق وليبيا شعوب الشرق بأن الغرب كان غير مبال في نهاية المطاف برفاهها عندما تدخل عسكريا في بلدانها.

أما الخطأ الثالث، فيتمثل في تردد الغربيين في اتخاذ قرار.

الصعود الروسي
ونتيجة لهذه الأخطاء، تقول “لوفيغارو”، تم “مَحْو” الغربيين، الذين استبدلتهم على الفور القوة “الانتهازية” الكبرى في المنطقة التي هي روسيا والتي باتت تمتلك حالياً قاعدتين سيادتين في سوريا، ونجحت بعد ذلك في جلب السعودية إلى طاولة المفاوضات بموسكو في عام 2017. وتجلى هذا التقارب الروسي- السعودي في دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أعقاب جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي.

بالإضافة إلى ذلك، نجحت روسيا في تحسين علاقاتها مع إسرائيل الحليف الآخر الكبير للأمريكيين؛ كما أنها باتت حاضرة بقوة في مصر حيث ستقوم ببناء محطة للطاقة النووية. وكذلك، وأصبح اللواء خليفة حفتر في ليبيا ورقة روسية. “محو” الغرب في الشرق الأوسط هذا، اعتبرت “لوفيغارو” أنه ليس خبراً ساراً للمنطقة، لأن الغربيين جلبوا كذلك في الماضي أفكارًا جيدة جدًا لتحرير الكويت مثلا، عندما شكل الأمريكيون ائتلافا عسكرياً واسعاً، بما في ذلك العديد من الدول العربية. وفي أكتوبر عام 1991، عقدوا مؤتمرا كبيرا للسلام في مدريد حيث تمت دعوة الفلسطينيين. بعد أقل من عامين، صافح ياسر عرفات إسحاق في حديقة البيت الأبيض. وأدى اغتيال رئيس الوزراء في نوفمبر/ تشرين الثاني 1995 (من قبل موتطرف ) إلى وقف عملية سلام نجمت عن مؤتمر مدريد.

وخلصت “لوفيغارو” إلى القول إن واشنطن التي لم تعد بحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، قررت تخفيض مشاركتها العسكرية والسياسية في المنطقة حيث تقتصر استراتيجيتها على خنق الإيرانيين لتغيير نظامهم. وبريطانيا وفرنسا أضعف من أن تدعيان لعب أي دور مهم. وبالتالي فإن العجز الاستراتيجي للغرب في الشرق الأوسط هو ظاهرة من المرجح أن تستمر.

المصدر: القدس العربي