ما كان مخفياً ظهر للعلن.. الخلافات بدأت وتراشق إعلامي غير مسبوق بين دولتين عربيتين حليفتين

ما كان مخفياً ظهر للعلن.. الخلافات بدأت وتراشق إعلامي غير مسبوق بين دولتين عربيتين حليفتين

شهدت الأيام الماضية، تراشقا إعلاميا بين عدد من الكتاب والإعلاميين السعوديين مع نظرائهم المصريين، ما أثار التساؤلات حول “خلفية هذه التجاذبات؟”،

وهل تمثل أراء مطلقيها أم تكشف عن “خلافات وراء الستار”؟، بينما يتحدث خبراء لموقع “الحرة” عن “تباين واحتقان” غير معلن بين القاهرة والرياض، ويكشفون أسبابه وتداعياته.

تلاسن وتراشق إعلامي
جاءت البداية مع سلسلة تغريدات للكاتب السعودي، تركي الحمد، تطرق خلالها للوضع السياسي والاقتصادي المصري، وقال إن “مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة”.

وذكر في حديثه ثلاثة أسباب لتلك المشكلات تتعلق بـ”هيمنة الجيش المصري المتصاعدة على الدولة وخاصة الاقتصاد، والبيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة”.

وأثار حديث الكاتب السعودي الكثير من الجدل في الأوساط المصرية، واعتبر بعض النشطاء أن حديثه عن أزمات مصر يعد “تدخلا متعمدا في الشأن الداخلي المصري” في ظل قربه من دوائر صناعة القرار بالمملكة.

وبعد ذلك بأيام خرج كاتب سعودي آخر، وهو خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري.

وقال في تغريدة عبر حسابه بموقع “تويتر”، إن “ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952”.

وكتب “مصر انكسرت في يونيو 67 وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب، لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف”.

وتواصل “موقع الحرة”، مع الكاتب السعودي تركي الحمد لأكثر من مرة لكنه لم يتسن الحصول على رده ولا على رد من الكاتب خالد الدخيل.

على الجانب الآخر، شن الإعلامي المصري، نشأت الديهي، هجوما على تركي الحمد، وقال له “أنت مالك ومال مصر”.

وفي حديثه ببرنامج “بالورقة والقلم” المذاع على قناة “تن” الفضائية المصرية، وجه حديثه لتركي الحمد قائلا: “أنا بقول لتركي الحمد وأمثاله عيب”، مضيفا “من أنت لكي تتحدث عن تاريخ مصر، مصر باقية، هذه الدولة خلقت لتبقى، وحديث تركي الحمد عبارة عن صفر كبير”.

والخميس، نشر الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة الجمهورية “القومية الحكومية المصرية”، عبدالرازق توفيق، مقالا صحفيا تحت عنوان ” الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأندال” تحدث فيه عن هجوم من أسماهم بالأشقاء على الدولة المصرية.

ونشر موقعي “الجمهورية” و”كايرو 24″ المقال قبل أن يتم “حذفه لاحقا”.

وتواصل موقع “الحرة” لأكثر من مرة مع عبدالرازق توفيق لتوضيح مقصده من المقال وأسباب حذفه، لكنه لم يردوكذلك فعل الإعلامي نشأت الديهي.

ما وراء الستار؟
يرى الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، أن “التجاذب والتلاسن يعبر عن آراء شخصية لنخب مصرية وسعودية”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يقر بوجود “تباين” في وجهات النظر بين مصر والسعودية حول أسلوب معالجة بعض القضايا الاقتصادية والسياسية التي تهم البلدين.

وحسب حديث آل عاتي فإن هناك كتاب ونخب يتطفلون على هذا “التباين” باجتهاد شخصي ودون توجيه من أي جهة كانت، على حد قوله.

ويتحدث آل عاتي عن “علاقات استراتيجية تاريخية ثابتة بين البلدين”، مضيفا أن “مصر والسعودية يعودان لبعضهما البعض في كل قضية مهمة في العالم العربي”.

ويقول آل عاتي إن ما يجمع السعودية ومصر “أكبر بكثير” مما قد يؤدي لتبيان في وجهات النظر حول أي قضية.

لكن على جانب آخر، يصف الخبير الاستراتيجي المصري، سعد الزنط، التلاسن الإعلامي بأنه “عرض لمرض موجود منذ سنوات”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير إلى أن حديث الكتاب السعوديين وهجومهم على مصر هو امتداد لـ”مواقف سعودية رسمية”.

ويؤكد الزنط أن “السعودية بطبيعة إدارتها الأمنية والسياسية لا تسمح لأي سعودي بالخروج خارج سياق الدولة أو دوائر الحكم بالمملكة”، مضيفا أن “هؤلاء الكتاب مقربون من دائرة صناعة القرار بالرياض”.

وحسب حديثه فإن “هناك احتقان سياسي واضح بين مصر والسعودية”، ويقول “لا أحد من هؤلاء الكتاب يتحرك دون تعليمات”، على حد وصفه.

من جانبه يرى المحلل السياسي الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، أن ما يحدث بين الجانبين بمثابة “حوار غير مباشر بين نخب سعودية وأخرى مصرية ولا علاقة له بالعلاقات الرسمية بين البلدين”.

وفي حديثه لموقع “الحرة”، يقول إن مواقف النخب على الجانبين “متشجنة وبها ردح” لا يليق بالعلاقات الراسخة بين السعودية ومصر.

خلافات سياسية؟
يرى الزنط أن السبب الرئيسي للاحتقان بين مصر والسعودية هو تأخر تسليم “جزيرتي تيران وصنافير”.

وفي الثامن من أبريل 2016، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية لترسيم الحدود نصت على “انتقال تبعية تيران وصنافير إلى السعودية” بعد جدل قانوني واسع في مصر وغضب وتظاهرات احتجاجية صغيرة تم قمعها على الفور، وفقا لـ”فرانس برس”.

ووصل الأمر إلى القضاء المصري الذي “تضاربت قراراته”، فألغتها كلها المحكمة الدستورية العليا في يونيو 2017.

وفي الشهر نفسه، أقر البرلمان المصري اتفاقية ترسيم الحدود ثم صادق عليها الرئيس، عبد الفتاح السيسي، ونشرت في الجريدة الرسمية.

وفي 21 ديسمبر 2022، كشف تقرير لموقع “أكسيوس” عن وقف مصر تنفيذ اتفاق بشأن نقل سيادة “الجزيرتين الاستراتيجيتين” الواقعتين في البحر الأحمر إلى السعودية.

لكن على جانب آخر، يقول آل عاتي إن السعودية تفهمت “تأخير مصر تسليم جزيرتي تيران وصنافير”.

وحسب حديثه فإن هناك “تنسيق عالي جدا بين القاهرة والرياض” وتفاهم كبير في القضايا السياسية.

خلافات اقتصادية؟
يشير الزنط إلى بعد آخر تسبب في احتقان العلاقات، بعد تصريحات لوزير المالية السعودي في منتدى دافوس، يصفها بـ” غير المقبولة وتحمل تدخلا في الشأن الداخلي المصري”.

وفي 18 يناير، قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن المملكة تغير طريقة تقديم المساعدات لحلفائها من تقديم منح مباشرة وودائع دون شروط.

وخلال مشاركته في منتدى دافوس الاقتصادي العالمي بسويسرا، قال إن “المملكة أكبر مُصدر للنفط في العالم وقوة عربية، تشجع دول المنطقة على إجراء إصلاحات اقتصادية”.

وأردف “اعتدنا تقديم منح ومساعدات مباشرة دون شروط، ونحن نغير ذلك، ونعمل مع مؤسسات متعددة الأطراف لنقول بالفعل إننا بحاجة إلى رؤية إصلاحات”.

ومضى يقول “نفرض ضرائب على شعبنا ونتوقع من الآخرين فعل الأمر نفسه وأن يبذلوا جهدا، نريد المساعدة لكننا نريد منكم الاضطلاع بدوركم”.

وفي يونيو، وقعت السعودية اتفاقات بقيمة 7.7 مليار دولار مع مصر، بما في ذلك بناء محطة طاقة بقيمة 1.5 مليار دولار، وقالت إنها تعتزم قيادة استثمارات بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة حليف قديم يواجه ضعف العملة المحلية ونقص العملة الأجنبية، وفقا لـ”رويترز”.

لكن الزنط يشدد على أن السعودية ليست جهة تمويل دولية مثل “صندوق النقد أو البنك الدولي”، ويقول إن “العلاقة بين القاهرة والرياض خاصة وما كان ينبغي الإدلاء بمثل تلك التصريحات”.

ويشير إلى أن تصريحات الكتاب السعوديين تتسق مع تصريحات وزير المالية السعودي وتمثل “تطاولا على الدور المصري بالمنطقة”.

لكن على جانب آخر، يشير آل عاتي إلى أن الكتاب السعوديين لهم آراء يحركها “دوافعهم ونوازعهم الوطنية التي لا يدفعها أحد”.

ويؤكد أن “السعودية يهمها معرفة إلى أين تذهب المساعدات”، ويقول إن تصريحات وزير مالية المملكة تجسد “نهجا اقتصاديا وسياسيا وتنمويا جديدا للمملكة”.

وحسب حديث آل عاتي فإن هذا “النهج الجديد” تتخذه السعودية تجاه كل الدول دون استثناء لحماية “مصالحها والمال العام”، وهو ليس موجه لمصر.

ويؤكد آل عاتي أن جزءا من هذا المال يأتي من “دافعي الضرائب بالمملكة”، ولذلك يجب على الداخل السعودي معرفة “أين تذهب أمواله ومسالكها وطريقة صرفها”.

وهذا النهج السعودي الجديد سيطبق لكل من “يحتاج المساعدات” لحماية المال العام من الذهاب لأيدي الفاسدين في أي دولة كانت، أو صرف تلك الأموال بسبيل “غير مرغوب”، وهذا ليس موجه لمصر أو أي دولة شقيقة، وفقا لحديث آل عاتي.

لكن الزنط يرفض هذا الطرح، ويقول إن “مصر ساعدت السعودية تاريخيا ولم تسألها أين تصرف الأموال المصرية”.

ويتحدث الزنط عن “مساعدات طبية وتعليمية ومالية تاريخية مصرية للسعودية”، مضيفا “وقتها لم نطالب بمعرفة كيفية توزيع الغذاء والدواء والمال المصري الموجهة للمملكة”.

تدخل في الشأن المصري؟
تشهد مصر أزمة اقتصادية صعبة يأتي على رأسها نقص العملة الأجنبية وارتفاع معدل التضخم بعد تخفيض البنك المركزي المصري قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي الذي يسجل حاليا نحو 30 جنيها مقابل 15,6 في مارس 2022.

ويعيش ثلث سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين تحت خط الفقر، وفق البنك الدولي، بينما ثلث آخر “معرضون لأن يصبحوا فقراء”.

وأقرض صندوق النقد الدولي مصر ثلاثة مليارات على مدى أربع سنوات، في حين يتعيّن على القاهرة سداد 42 مليار دولار من الديون خلال 2022-2023.

وأودعت دول الخليج الحليفة لمصر 28 مليار دولار من الودائع لدى البنك المركزي المصري، وفقا لـ”فرانس برس”.

ويقر الزنط بمواجهة القاهرة لأزمة سياسية واقتصادية، ويقول “هناك أخطاء ومشكلات في مصر ولكن ذلك لا يعني التدخل وتوجيه إملاءات للقاهرة”.

وهناك فارق بين الاقتراض من صندوق النقد الدولي وبين “نيل مساعدات من دولة شقيقة”، ولذلك فأن “الخلط السعودي” لتلك الأمور قد تسبب في مشكلة بين البلدين، وفقا لحديث الزنط.

ويشير الزنط إلى أن “مصر قادرة على إدارة شؤونها الاقتصادية والسياسية داخليا”، مضيفا “لا نحتاج لتدخلات أو إملاءات من أحد”.

لكن آل عاتي ينفي هذا الكلام، ويقول لا نتدخل في الشأن الداخلي المصري ويهمنا استقلالها ومصالحها الاقتصادية والتنموية ونحرص أن تكون “مصر قوية آمنة ومستقرة”.

تنافس على النفوذ والريادة؟
يتحدث الزنط عن سبب جديد للاحتقان بين البلدين، ويشير إلى “تنافس” تديره السعودية بطريقة “خاطئة ما يؤثر على الأمن القومي العربي”، على حد تعبيره.

ويقول الزنط “ما يحدث من الأشقاء في السعودية مقصود ومكرر وليس بجديد”، معتبرا أن السعودية تحاول “مزاحمة مصر” على “إدارة الأمن القومي العربي”.

ويقول إن “وفرة المال أو الطفرة الاقتصادية لا تعني “قيادة المنطقة”، لأن القيادة تحتاج “تراكمات أكبر من ذلك”، على حد قوله.

لكن آل عاتي ينفي ذلك الطرح، ويقول “لا يوجد صراع نفوذ بين البلدين”.

ولم تمارس السعودية أي ضغوط على “القيادة المصرية” رغم مرور مصر “بظروف اقتصادية صعبة جدا”، وفقا لحديث آل عاتي.

ويشير إلى أن السعودية تمثل “عمقا عربيا كبيرا” وتقوم بدور سياسي واقتصادي “محوري عالمي”، وليس في المنطقة فقط.

وحسب حديث آل عاتي فإن “السعودية مؤخرا لا تلقى بالا بمنافسة أي دولة، وللمملكة رؤية اقتصادية واجتماعية تنموية كبيرة يهمها تنفيذها ومن ضمن بنودها عملية تنظيم المساعدات والتعاون السياسي بين الدول”.

من جانبه يؤكد عبدالخالق عبدالله عدم وجود “تباشير بصراع سياسي بين القاهرة والرياض”، ويقول إن هناك “تنافس” بين العواصم العربية المؤثرة وهو أمر “جيد ومحمود لا ينبغي أن يتحول لصراع أو شجار أو تنازع”.

من يقود المنطقة؟
يؤكد الزنط أن السعودية “تساعد جدا” في قيادة الأمن القومي العربي، لكن المملكة لا تصلح أن تكون “رأس قاطرة للقيادة”.

وحسب حديثه فإن الريادة العربية لها مقومات “تاريخية وحضارية وعسكرية وأمنية، لا تتوفر في السعودية”.

ويقول الزنط إن مصر هي “قاطرة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، ولا ينافسها أحد وعلى الجميع فهم ذلك وإعادة تقدير موقفه”.

من جانبه يرى آل عاتي أن السعودية ومصر يقودان الدول العربية “بحسن التنسيق وعلو التفاهم”، ويقول “نمر في العالم العربي بفترة سياسية مهمة جدا تحتاج استمرار التنسيق بين القاهرة والرياض”.

وترى السعودية أن القضايا التي يمر بها دول عربية تحتاج جهود الجميع وعلاقة المملكة مع مصر تاريخية “لا يمكن القفز عليها وسوف تستمر”، وفقا لحديث آل عاتي.

لكن على جانب آخر، يرى عبدالله أن قيادة الدول العربية حاليا “خليجية” حتى إشعار آخر، ويقول “هذا ليس تنطاعا ولا إدعاء ولا تفلسفا” لكن الوقائع تشير إلى ذلك

وحسب حديثه فإن قيادة المنطقة تمثل مسؤولية يجب تحملها لمواجهة قوى الفوضى والإرهاب وإعادة الحد الأدنى من الاعتدال والاستقرار للمنطقة وهذه المهام تتحملها “العواصم الخليجية” حاليا، على حد قوله.

وحتى تستعيد الدول العربية التي عانت من “الربيع العربي” الاستقرار، تظل القيادة خليجية “ليست سعودية ولا إماراتية ولا قطرية”، وفقا لحديثه.

هل تزول الخلافات؟
يتوقع آل عاتي حل “التباين” في وجهات النظر بين القاهرة والرياض في المستقبل القريب.

ويقول إن “العقلاء في الرياض والقاهرة” يدركون طبيعة العلاقات التاريخية، معتبر أن “التباين” يمكن معالجته عبر جلوس مسؤولي البلدين بطاولة الحوار والمفاوضات.

ويشير آل عاتي إلى أن هناك “دول تتكسب” من هذه التباينات، وتحاول “أحداث شرخ في المنطقة”، مؤكدا أن السعودية ومصر تحرصان على الحفاظ على العلاقات وحمايتها من “النفخ على النار التي تحتها رماد” وممن “يتاجر أو يتكسب” من خلافات البلدين.

وسنشهد في الفترة القادمة مرحلة جديدة من التعاون والتفاهم والاستثمار السياسي والاقتصادي بين البلدين، وسيكون هناك تبادل للزيارات بين قيادتي البلدين، وما يحدث حاليا سحابة صيف ستنجلي مع هبوط أحد القيادات في عاصمة الدولة الأخرى، وفقا لحديثه.

ويتفق معه الزنط الذي يقول إن “الأزمة بين البلدين ستمر قريبا، نتيجة ظروف المنطقة والعالم السياسية والاقتصادية والأمنية”.

ويشير إلى أن “طبيعة الصراعات التي تشهدها المنطقة والعالم لن تسمح باستمرار الخلاف المصري السعودي، وما قد يترتب عليه من نتائج وخيمة”.

ووفقا لحديثه فإن “مصر والسعودية حريصتان على عودة العلاقات لطبيعتها، حتى لا تتدخل دول أخرى في شؤون المنطقة”.
المصدر: الحرة

صورة لمقال رئيس تحرير الجمهورية المحذوف