ذنوب الشعوب.. هل هي السبب الوحيد للكوارث والحروب؟

كلما تعرضت الشعوب العربية والإسلامية لموجة “ظلم” جديدة من قبل حكوماتها؛ برز خطاب “تبريري” صادر عن شخصيات وهيئات دينية رسمية، يحمّلها مسؤولية البلاء الذي لم يصبها إلا بسبب ما “اقترفته من خطايا وذنوب”.

ووصل الأمر ببعض الهيئات لاعتبار سقوط مئات الآلاف من البراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين في سوريا، “نتيجة طبيعية لمعاصيهم وبعدهم عن أحكام دينهم”، أما الحاكم فيُغض الطرف عنه و”كأنه إمام معصوم، وكأن اضطهاده لشعبه عبادة يتقرب بها إلى الله، لأنه يذكّرهم من خلاله بأنهم مذنبون”.

أسباب العقوبات الإلهية

ويرى الباحث المهتم بدراسات النهضة وقضايا التغيير، إبراهيم العسعس، أن القول بأن الكوارث والمصائب والعقوبات الدنيوية سببها ذنوب العباد؛ “لا يعني أن طرفاً في المجتمع هو المسؤول وحده، بحيث يتم التركيز عليه لتبرئة الطرف الآخر الذي قد يكون أهم في المعادلة”.

وقال العسعس لـ”عربي21″ إن “الفساد يظهر في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس كما قال الله وهذا يعني أن الناس كلهم مسؤولون، فلم تقسم الآية الناس إلى حاكم ومحكوم حتى نحمّل المحكوم المسؤولية ونبرئ الحاكم”، لافتا إلى أن “القاعدة السُنَنية التاريخية تقول إن من الخطأ تعليق تفسير أي حدث على ظاهرة واحدة”.

ورأى أن “من الظلم والغفلة أن يتم التعاطي مع مآسي الناس بهذا الإجحاف والسذاجة، التي تكاد تصل حد الشماتة بما أصابهم من ابتلاءات”، مشيرا إلى أنه “من المعيب أن تلقى المسؤولية على من تسقط البراميل المتفجرة فوق رؤوسهم، ويُعفى الذي يقصفهم بها وكأنه يلقي عليهم الورود”.

ولفت إلى أن هناك ذنوبا تعجَّل عقوباتها في الدنيا، كعقوق الوالدين والزنا وغيرهما، “لكن هذا متعلق بالأفراد”، مضيفاً أنه “فيما يتعلق بالمجتمعات؛ لا يوجد ذنب مجتمعي أعظم من ظلم الإنسان للإنسان”.

وأوضح العسعس أن الإسلام يفرق بين مجرد وجود الذنب وبين أن يتحول إلى ظاهرة، مؤكدا أن العقاب الإلهي ينزل على المجتمعات “حينما تقع منها معاصي شاملة تكثر حتى تصبح ظاهرة اجتماعية”.

كوارث دنيوية

من جهته؛ قال الباحث الشرعي صالح سهيل حمودة، إن ذنوب العباد ليست وحدها سبب العقوبات والكوارث الدنيوية، مؤكدا أن هذه الأخيرة “قد تكون تمحيصا وابتلاءً وتمييزا للخبيث من الطيب”.

وأضاف لـ”عربي21″ أن “تحديد سبب الكارثة المعينة من ابتلاء أو عقوبة؛ هو من اختصاصات الله تعالى، ولا يمكن لأحد من البشر أن يجزم به”.

وتعقيبا على الاستشهاد بآية “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم” على أن جميع المصائب سببها ذنوب العباد؛ أوضح أن “المفسرين بينوا أن هذه الآية من العام المخصوص”، مشيرا إلى أن “الأطفال ليسوا مشمولين بها، وما يصيبهم من مصائب فلحِكَم أخرى، وكذا الأنبياء لا يدخلون في الآية مع أنهم أشد الناس ابتلاءً”.

وحول وجود ذنوب مخصوصة تستجلب عقوبة الله في الدنيا أكد حمودة أن “جميع الذنوب قد تكون سببا للابتلاءات والمصائب والحروب، لكن أشد هذه الذنوب ما كثر واستفحل حتى أصبح يغطي على الطيب”، مستشهدا بأن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: “أنهلك وفينا الصالحون؟” فقال: “نعم إذا كثر الخبث”.

وتابع: “هذا العذاب لا يدفعه وجود الصالحين، وإنما يمكن اندفاعه بوجود المصلحين في كل مجتمع”.

ومع كثرة العقوبات الإلهية الدنيوية التي تصيب الشعوب العربية والإسلامية؛ يتساءل بعضهم: لماذا لا تقع أكثر المصائب والابتلاءات إلا في بلاد الإسلام؟ ولماذا لا يعذب الله الكفار في الدنيا كما يعذب المسلمين؟.

يجيب العسعس بالقول إن سنن التعامل الإلهي مع المسلمين؛ تختلف عن سنن التعامل مع الكفار، معللا ذلك بأن المسلم عندما يؤخذ بعذاب نتيجة أفعاله؛ فإنه يدرك من خلال النصوص القرآنية والنبوية أن ما وقع به إنما هو نتيجة أعماله السيئة، أما الكافر فلا يدرك أنه يعاقب في الدنيا بسبب كفره.

واستدرك بأن عقوبة الله تنزل بكل من يخالف القيم الإنسانية العامة، سواء كان ذلك المخالف مسلما أم كافرا، مشيرا إلى أن هذه العقوبة ليس بالضرورة أن تنزل بصاحبها بعد مخالفته لهذه القيم مباشرة، فتوقيت العقوبة شأن إلهي، وقد لا ترى هذه العقوبة بالنظر الأولي حيث ترى المجتمعات الظالمة قوية من الخارج، بينما ينخر فيها الفساد من الداخل حتى تسقط.

وأوضح أن “الله يمهل الكافر ما لا يمهل المسلم”، لافتا إلى أن “الله إذا أراد بعبد خيراً نبّهه بالابتلاء، وبالتالي من الخطأ أن يسأل لمَ يصيبني هذا البلاء ولا يصيب الكافر؟ وإنما يسأل لماذا حدث لي؟ وماذا ينبغي أن أفعل حتى يُرفع عني؟ هذا هو السؤال الشرعي المتعلق بالتكليف، فإذا أُصبت بشيء لا يُعقل أن تقول لمَ لمْ يُصَب جاري به”.

وأشار العسعس إلى “قاعدة ذكرها ابن تيمية بعد استقراء سليم، وهي أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة”، مضيفا أن القرآن الكريم يرتب العقوبات الدنيوية للمجتمعات على وقوع الظلم، كقوله تعالى: (فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون) والظلم هنا معنى زائد على الكفر، ولو أراد الله الكفر وحده لقال (بما كفروا) ولكنه قال (بما ظلموا)”.

بدوره؛ قال الباحث سهيل إن “المصائب كالحروب والزلازل والبراكين؛ تقع في بلاد المسلمين وغيرها، لكن شدتها في بلاد المسلمين لا يعني أنها عقوبات لهم بالضرورة، فيمكن أن تكون عقوبة، وقد تكون تمحيصا وابتلاء وتنبيها للرجوع الى الله”.

وأضاف أن “وقوع هذه المصائب للكفار لا يعني أن يسمح للمسلمين الشماتة والتشفي بهم”، لافتا إلى أن “الدين شرع تعزية الكافر وعيادته، وهي أمور تناقض التشفي”.

سوريا مثالا

وذهب العسعس إلى القول بأن أعظم ذنب تبتلى الشعوب من أجله هو سكوتها على الظلمة، مؤكدا أن ما يحدث في العالم العربي عموما، وفي سوريا على وجه الخصوص، هو بسبب ذنوبنا التي أعظمها الخنوع للظالمين، “ومصطلح (الذين ظلموا) في القرآن يشمل الذين اقترفوا الظلم والذين سكتوا عنه”.

وحول القول بأن البلايا التي تقع على رؤوس الشعوب العربية والإسلامية يُراد منها رفع درجاتها عند الله؛ رأى العسعس أن “الذي يبتلى لرفع الدرجات هو الإنسان الصالح، بينما مجتمعاتنا غير صالحة”، مضيفا: “نحن مجتمعات يصيبها البلاء لكي تنتبه وتؤوب إلى ربها”.

واستدرك بالقول إن “العودة إلى الله بالعبادات الظاهرة لا تكفي لرفع العقوبات الإلهية، فإذا لم يحدث تغيير حقيقي بحيث تأخذ الشعوب بالأسباب وتعيد الحق إلى نصابه، وتردع الظالم عن ظلمه؛ فإنه ستبقى تسقط في الحضيض”.

وحول ما يعانيه الشعب السوري من قصف وقتل ودمار؛ قال الباحث حمودة إن “ما يحدث للسوريين وغيرهم من الشعوب الإسلامية؛ هو جرائم بحق الإنسانية نددت بها دول الغرب قبل المسلمين”.

وأضاف أن “تقصير بعض المسلمين في فروض دينهم لا يعني تأييد عدوان الظالمين عليهم وقتلهم، فإن هناك فرقا بين الحكم القدري الكوني الذي يرجع إلى الله، وبين الحكم الشرعي الذي يحتم إدانة القاتل والوقوف مع المظلوم، ومن الجهالة بمكان الخلط بينهما”.

المصدر : عربي٢١