أيها العالم أنا أخوك السوري هل تسمعني؟.. يحيى العريضي برسالة مؤلمة

أيها العالم أنا أخوك السوري هل تسمعني؟.. يحيى العريضي برسالة مؤلمة

أيها العالم، لا أدري كم تعرف عن قصتي؛ أنا السوري، أخوك في الإنسانية! على أي حال، أشعر أنه من واجبي أن أخاطبك، لسببين: كي تعلم بحالي علم اليقين، وكي أبرئ ذمتي أمامك وأمام رب العالمين.

بداية، لا أريد أن أفتخر بماضي بلادي العظيم، الذي أعطى للإنسانية الأبجدية، وأول محراث، وأول حبة قمح، وأول تشريع؛ بل ساخاطبك بحكم ما أصابك من انفصام، لترى غيري يستحق الحياة، ويجب أن تقف معه، وتشيح بطرفك عني، وعمَّن ارتكب بحقي جرائم حرب

ويبقى حراً طليقاً، ولا يضيرك إذا استمر إجرامه. بداية أيضاً، أنا مثلك تماماً فيزيولوجياً، وإن اختلفت بعض ملامحنا. لم أختر اسمي، ولا ديني، ولا والدي، ولا البلد الذي أعيش فيه. ولم تكن لي يوماً علاقة بنمط الحياة التي أعيشها ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً

ولم أُخلَق إرهابياً، كما يحلو للمستبد بي وببلادي وصفي.
في تاريخها الحديث، رزحت بلادي تحت الاحتلال العثماني أربعة قرون، وقرابة ربع قرن تحت الاحتلال الفرنسي.

تَبِع ذلك ربع قرن، كنّا فيه ننام على انقلابٍ، لنصحو على آخر؛ إلى أن جاء مَن قرّر ألا تكون هناك انقلابات في بلدنا؛ وأن يحكمنا إلى الأبد. رضينا بذلك، وردّدنا شعار الأبدية عنوةً أكثر من الفاتحة.

بعد عقدٍ على حكمنا المؤبد، دمّر من يحكمنا جزءاً من أحد مدننا (حماه)، وقَتَل عشرات الآلاف؛ وصمتنا كالخراف؛ حيث قال لنا: إن من قتلهم إرهابيون، ويريدون تخريب البلد. كانت يدُه في جيب “السوفييت” وقلبه مع أميركا؛ فقلنا: لا بأس بالتوازن.

قَتَل الحياة السياسية، وامتطى ما كان موجوداً من أحزاب؛ صمتنا على مضض، وبحثنا عن السلامة؛ فالعين لا تقابل المخرز.

احتل الصهاينة فلسطين، فكانت قضيتها أكلَنا وشربَنا وثقافَتنا واقتصادنا. جعنا وعرينا وأشحنا الطرف عنوةً عن الفساد والإفساد والعبث في مصير الوطن تحت شعار “المقاومة والممانعة”؛ فكنا نتلقّى الضرب من إسرائيل؛ ونسمع:

“سنرد في الزمان والمكان المناسبين”. عبث الإيرانيون في بلدنا تحت يافطة إعلانهم “تحرير القدس”؛ وما كان علينا إلا الترحيب بهم، رغماً عن أنوفنا. خضنا كل حروب حزب الله التحريكية، كما كنا قد خضنا حرب تشرين التمثيلية، وخرسنا أمام “صوت المقاومة” الذي يعلو ولا يُعلى عليه.

استمرت العائلة في حكمنا؛ فقلنا إن هذا جزء من شعار الأبدية؛ ولا بد أن يتم استكمال المسيرة؛ وحَدانا الأمل في أن يكون في التغيير خير. صبرْنا وكتمْنا وبدأنا من جديد مع مَن ورث العرش. أكلت العائلة ومحيطها وزبانيتها اقتصاد البلد

وكان علينا أن نشدّ الأحزمة. حوّطت مدننا أحزمة الفقر، وقلنا لا بد من أن الإصلاحات آتية، وأن كل ما نراه من أوبئة زائل. هبّت رياح الربيع العربي؛ فقلنا لابد أن ساعة التغيير قد أزفت؛ استبشرنا بالخير. قيل لنا “لن يحدث في سورية ما يحدث في دول عربية أخرى”

لكنه حدث؛ وصدح صوت وجعنا، وطلبنا شيئاً من أوكسجين الحرية؛ فتم وصفنا بأقذع الصفات، وفي مقدمتها أننا إرهابيون وخونة. ولكن، أخي الإنسان، إليك جردة مختصرة لما حدث لأخيك الإنسان السوري خلال أعوام بدأت بشعارٍ لم يفهمه أو يصدّقه السوري عندما أُطلق، وهو “الأسد أو نحرق البلد”.

والنتائج: نصف سورية مدمرة، نصف مليون سوري قضوا، نصف مليون سوري معاق، نصف سكان سورية خارج بلداتهم نازحين داخل البلد أو خارجه، أكثر من نصف جيل سوري كامل لم يعرف تعليماً، ربع مليون سوري في معتقلات النظام تحت التعذيب

سورية تعود ربع قرن إلى الوراء، استخدم نظامها السلاح الكيميائي على السكان ولا يزال، البلد تحت حماية إيران وروسيا. والآن، أخي الإنسان: ماذا تتوقع من السوري، وقد شاهد بأم عينيه من استضافهم في بيته يقتلونه؛ شَهِدَ طائرات بلده، التي دفع ثمنها دماً ودموعاً، ترميه ببراميل متفجرة.

سمع السوري 134 دولة تسمّي نفسها أصدقاء سورية، وما قدّمت له إلا الكلام المعسول الذي لا يوقف نزيف دمه، أو دمار بلده؛ شاهد وسمع إعلامه يتحدّث عن مؤامرةٍ كونية، ليجد نفسه وحيداً يدفع ثمنها

رأى يد المندوب الروسي يمنع قراراتٍ تدعو إلى وقف قتله، ودمار بلده، أو حتى إدخال الطعام لأهله المحاصرين في الجوع؛ رأى قيادته مرتهنةً لإرادة إيران ومليشياتها التي تمنع سقوط قاتله؛ شهد جثث آلاف من إخوانه تخرج من زنازين التعذيب؛ تيقن أن من يحتل أرضه حريصٌ على إعادة تدوير من يفعل به ذلك كله.

مع بداية عامنا الثاني عشر في هذه المحنة، نسمع عالمنا مهتماً بتغيير سلوك قاتلنا لا بتغييره؛ فيتم وضع مخطط لإعادة تأهيله من خلال بعض إجراءات عليه القيام بها كي يسهِّل مهمة هذا العالم. طلبوا ابتعاده عن إيران، وها هو يلتصق بها أكثر، طلبوا إصلاحات وبوادر حسن نية، وها هو الفساد يتفاقم، والقوانين تشرعن جرائمه، والمعتقلين الذين يطلق سراحهم أكوام من اليأس والعظام والدمار.

من هنا، وبناءً عليه، لا يُحَمِّل السوري كامل المسؤولية لِمَن فعل به ما فعل فقط، بل للذين كانوا شهوداً على مأساته؛ فهم يتحمّلونها بالتكافل والتخاذل والتناذل والصمت.

فهل يلومنّ أحد السوري إنْ قتل، حيث قتله الجميع من دون رادع أو وخز ضمير؛ أو إن سرق، لأن كل شيءٍ بحياته قد سُرِق؟ أو إنْ عكّر أمان العالم وسلامه، لأن أحداً لم يلتفت إلى أمانه وسلامه أو سلامته؟ أو إن دعس كل قانون للبشرية

لأن أحداً لم يحترم أي قانونٍ في التعامل معه أو في إنصافه؟! رغم ذلك كله، السوري لن يسيء؛ فهو أنبل وأشرف؛ ولكن لا بد من التوقف عن محاصرة وجود السوري وكينونته الروحية والأخلاقية؛ فما زال أمامك أخي الإنسان فرصة، لا لتنقذ أخاك السوري فقط

بل لتنقذ نفسك” والحضارة الإنسانية…عليك بصانعي سياسة بلدك؛ فالمجال لا يزال مفتوحاً لتدارك العيب واللعنة. لقد تفلّت نظام الأسد من العقاب، عندما استخدم السلاح الكيميائي؛ واستمر شلال الدم السوري

وكان بالإمكان وقفه عندها. والآن، مع استنفار رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، لإعلان انتصاره في أوكرانيا بعد أن أعلن انتصاره على الدم السوري، وسعيه الإجرامي إلى إعادة الاستبداد إلى سورية؛ لن يُعفى هذا العالم من أخطائه بحق السوريين، ولن يُنصف السوري، إلا بهزّ بوتين كي يواجه حقيقة تقول: لم ولن تحقق شيئاً، إن لم يتم الخلاص من منظومة الاستبداد.
نداء بوست