تطمينات للعالم الإسلامي والمسيحي

تطمينات للعالم الإسلامي والمسيحي بعدم المس بالمقدسات

الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر

أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانا، 15 أبريل الجاري، عبرت فيه عن “أسفها ورفضها” للتصريحات الإسرائيلية التي تتهم روسيا بما أسمته “جرائم حرب” في أوكرانيا.

وشددت الخارجية في بيانها على أن تلك التصريحات ليست سوى “محاولة لاستغلال الوضع حول أوكرانيا لصرف انتباه المجتمع الدولي عن أقدم النزاعات التي لم يتم تسويتها: النزاع الفلسطيني الإسرائيلي”.

وحمّلت الخارجية الروسية إسرائيل مسؤولية “مخالفة قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة من خلال مواصلة الاحتلال غير الشرعي والزحف لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية”.

كذلك أشارت الخارجية إلى أن أكثر من 2.5 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية “معزولين عن باقي العالم في جيوب منفصلة”، بينما أصبح قطاع غزة “سجنا مفتوحا” تحت حصار إسرائيلي بحري وجوي وبري منذ قرابة 14 عاما.

وأوجه عناية السادة القراء هنا إلى أن إسرائيل تحاصر غزة منذ عام 2007، وقامت بأعمال عدائية في سنوات: 2008، 2012، 2014، 2018، 2019، 2021، وذلك علاوة على ما تمارسه سلطات الاحتلال الصهيوني من ممارسات عنصرية فجة لإخراج الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية المحتلة

آخرها كان ما وقع من أحداث حي الشيخ جراح، وغيرها من الممارسات التي تشكل جزءا من جرائم الحكومة الإسرائيلية ضد الإنسانية ممثلة في الفصل العنصري والاضطهاد، كما وثقته منظمة “هيومان رايتس ووتش”.

وكانت الأمم المتحدة قد أفادت بأن الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة خلال مايو 2021 قد قتلت 260 فلسطينيا، من بينهم ما لا يقل عن 129 مدنيا، منهم 66 طفلا. وترفض السلطات الإسرائيلية منذ 2008 السماح لموظفي “هيومان رايتس ووتش” الأجانب بدخول غزة، باستثناء زيارة واحدة في 2016.

لكني، ومع كل ما يبدو من قتامة في المشهد، أود طمأنة شعبي الفلسطيني ومعه العالم الإسلامي والمسيحي أن الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الدينية ليست سوى محاولات يائسة بائسة للتشبث بذيول نظام عالمي بائد ساقط، وسيتم وضع حدود حاسمة لكل ذلك قريبا

من خلال إنجازات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي ترقى بكل تأكيد، وفقا لما نراه على الأرض، لكي تكون عملية عسكرية جراحية خاصة سوف يمتد تأثيرها ليشمل العالم أجمع، وليس أوكرانيا أو أوروبا وحدها.

من هنا يمكن فهم الهستيريا والهرولة الإسرائيلية لتكثيف حملة التصعيد ضد الشعب الفلسطيني البطل، الذي لا ينكسر أمام عربدة واضطهاد المحتل الغاشم، الذي باتت أيامه معدودة، ويفعل ما يفعله كمحاولة أخيرة لتثبيت واقع على الأرض يصعب تغييره

قبل أن يسقط عالم الأحادية القطبية، وأوهام هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الاستراتيجية إسرائيل وسيطرتهما على العالم، والتصرف كما يحلو لهما. لكن ذلك العالم قد سقط بالفعل، ولجأ ويلجأ لشريعة الغاب، ويمارس غطرسة القوة الغاشمة

بينما يموّل كتائب النازيين الجدد في أوكرانيا، ويدفع بالدولة الأوكرانية والشعب الأوكراني إلى الدمار، ويضع القارة الأوروبية بأكملها على حافة الهاوية، رهنا لمقامرات ومغامرات دموية خاسرة.

بهذا الصدد أود التأكيد على أن كل ما يشاع حول العملية العسكرية الروسية الخاصة من “تأخر” أو حتى “فشل” ليس له أساس من الصحة، فتلك عملية عسكرية ذات طابع جراحي خاص، تسير حسب الخطط المرسومة لها من قبل الأركان الروسية

ولا يستطيع أي أحد معرفة التكتيكات والإجراءات والخطوات التي تسير بها هذه العملية سوى الأركان العامة للجيش الروسي، وكل التحليلات والاجتهادات ليست سوى افتراضات وتكهنات تشبه قراءة الفنجان لا أكثر

أما عن أهداف وسير العملية العسكرية الروسية فليس أمامها سوى التحقق وتغيير صفحة التاريخ العالمي، نحو عالم متعدد الأقطاب، يحترم القوانين وقرارات الشرعية الدولية وحقوق الشعوب، وهو ما تسعى إليه روسيا.

لقد أثبتت العملية العسكرية خلال الشهر الماضي، من خلال تدمير كثير من البنى التحتية العسكرية للجيش الأوكراني، صحة كل البيانات التي كانت بحوزة القيادة الروسية بشأن المخطط الخبيث للولايات المتحدة الأمريكية وحلف “الناتو” لبناء أكبر قاعدة عسكرية ضد روسيا في أوكرانيا، ووضع أساطيل “الناتو” في سيفاستوبل بشبه جزيرة القرم

ومنع تحول العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، عن طريق إضعاف وتهديد روسيا، وتعزيز هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على شرق القارة الأوروبية، وبذلك استمرار سيطرتها على مقادير العالم. وذلك تحديدا هو جوهر الأزمة الأوكرانية، الذي يعجز عن رؤيته كثيرون حول العالم بسبب الإعلام الغربي المضلل.

فقد وصلت حملة التشويه الإعلامي، والجهر بالكراهية والغل والحقد ضد روسيا حدا غير مسبوق، لنشاهد أمام أعيننا مؤخرا إحدى الفنانات الأوكرانيات، أدريانا كوريليتس، تقدم مشهدا تمثيليا، بينما تنعت الشعب الروسي بـ “الخنازير”

وتهدد بقتله وتنحر رأس روسي، دون أن تعترض إدارة “يوتيوب” أو “فيسبوك” على هذا المقطع، الذي يذكرنا بما كان يقوم به تنظيم “داعش” الإرهابي من فظائع وجرائم ضد الإنسانية، حينما كان يبقر البطون ويأكل الأعضاء البشرية على مرأى ومسمع من عدسات الكاميرا، وعلى الرغم من يقيني بأن ذلك كان مشهدا تمثيليا

إلا أنني متأكد من أن أقران تلك الفنانة من كتيبة “آزوف” القومية المتطرفة، وغيرها من كتائب النازيين الجدد يقومون بما تدعو إليه كوريليتس على أرض الواقع، بعدما انقطعوا عن كل ما يمت للإنسانية بصلة.

إن الأزمة الأوكرانية وما يدور حولها من هستيريا حول العالم تستدعي إلى أذهاننا ما يمكن أن تسببه كلمة “هولوكوست” من ذعر وخوف جلل إذا ما ارتبط الأمر بتشكيك لا في وجود المحارق ومعاداة اليهود والسامية في الحرب العالمية الثانية وإنما فقط في أعداد الضحايا. فتلك أمور ترتقي ربما إلى حد “القداسة”

تماما مثلما أصبحت أي رواية أخرى سوى الرواية الغربية حول ما يحدث في أوكرانيا تستوجب العقاب والنفي والعزل والحصار وربما فقدان الوظيفة والاحترام.

من ناحية أخرى، هل سمعنا عن عقوبات ضد إسرائيل؟

وهل سمعنا أيا من الأصوات “الحرة” و”النزيهة” تندد بما ترتكبه إسرائيل اليوم على مسمع ومرأى من العالم أجمع في القدس من جرائم وحشية واعتداء على المصلين العزل من الشيوخ المسنين والأطفال والمسعفين والصحفيين أثناء صلاة الفجر في المسجد الأقصى؟

يقول الأمين العام لحركة المبادرة، د. مصطفى البرغوثي، والذي نجح في الوصول إلى المسجد الأقصى رغم المنع والحواجز، إن أحد المصابين فقد عينه، وأصيب عشرات بإصابات خطيرة في الرأس والوجه والفكين واحتاجوا لعمليات جراحية، ويرقد عدد منهم في غرف العناية المركزة

بينما نصب الاحتلال مئات الحواجز ليمنع آلاف المصلين من الوصول إلى الأقصى، ومس بحرمة المسجد القبلي، ودخل إليه لاعتقال وضرب المصلين.

دعونا نتساءل اليوم، على خلفية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي جاءت وكأنما لتفضح الغرب بازدواجية معاييره ونفاقه واهتراء مبادئه: هل سمعنا بعقوبات ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعد أفغانستان ويوغوسلافيا وفيتنام والصومال وهيروشيما وناغازاكي؟ هل رأينا عقوبات ضد فرنسا التي قصفت ليبيا وأنهكت مالي؟

أما آن الأوان كي نفهم أن ما يحدث على الأراضي الأوكرانية، والشراسة التي يقاتل بها النازيون الجدد، بدعم مطلق بالسلاح والعتاد والأموال بلا حساب من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها الأوروبيين، ليس في واقع الأمر سوى الحرب الأخيرة اليائسة للإبقاء على النظام العالمي أحادي القطب، الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية توهما منها بأنها سيدة العالم؟

وهل نلاحظ الآن وندرك ما تقوم به روسيا نيابة عن العالم لإرساء دعائم نظام عالمي جديد يقوم على التعددية القطبية والعدل والمساواة والاحترام المتبادل بين الدول، تماما كما فعل الاتحاد السوفيتي وأنقذ العالم من براثن النازية منتصف القرن الماضي؟

بل قل هل يعي الجميع الآن أن روسيا فعليا ضد الحرب، وأن ما تقوم به من عملية عسكرية خاصة على الأراضي الأوكرانية ليست سوى دفاع شرعي عن الأمن القومي الروسي وعن القيم والمبادئ الدولية الأصيلة والراسخة

التي يجب أن تسود في المجتمع الدولي، بعدما أصبحنا نعانيه من تسييس للاقتصاد والمعارف والعلوم والثقافة والرياضة، بل ووصل الجنون بأوروبا الآن إلى منع تشايكوفسكي وتولستوي وديستويفسكي؟!

سوف تنتصر روسيا للتعددية القطبية، وسوف تبزغ شمس النظام العالمي الجديد عاجلا لا آجلا، بعد الإجهاز على فلول النظام العالمي البائد، الذي يدفع اليوم كل ما يملك للإبقاء على تبعية أقزام السياسيين الأوروبيين له

ومقاومة شروق شمس يوم جديد. لكن التاريخ يعلمنا أن عقارب الزمن تتحرك في اتجاه واحد فقط، ومن يحاول عرقلتها أو إعادتها للخلف إما مجنون أو معتوه أو كلاهما.
فقد تغيّر العالم بالفعل.