الحرب والكلسون!

قبل سنوات كنت مع صديق عراقي في أحد المولات في الهند، واستغرق وقتا طويلا في اختيار ماركة ونوعية الكلاسين التي انتقاها بدقة، سخرت منه حينها، لكنه أجاب بجدية الحكماء: الكلسون أهم قطعة ملابس على الإطلاق!

ذكرتني الحرب بمقولته الأكثر من رائعة، سأوضح قليلا ودون الحاجة لذكاء كبير، فوظيفة الكلسون مركزية وأساسية أكثر من أي قطعة أخرى..

تقول التقارير إن بعض الدول العربية ستكون الأكثر تضررا، وقد تواجه عواقب الجوع والغلاء، إذا ما شح القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا!

تذكر التقارير: مصر (بلد النيل والخير!)، العراق (بلد الرافدين وآلهة الخصب!)، واليمن (بلد السدود والمدرجات الخضراء ومناخات الزراعة المتنوعة!)

المضحك المبكي، أن تتربع هذه البلدان العظيمة على ثروات تكفي لتلبية احتياجات المنطقة بأكملها، ثم تتصدر قائمة الدول المتضررة بحرب تبعد عنها آلاف الكيلومترات!

هنا تبرز فلسفة أهمية الكلسون، والأولوية القصوى لاختيار نوعه وماركته وقياساته وقماشه بدقة فائقة، فالستر والدفء والأمان والارتياح الذي يوفره يكشف عن حقيقة الاستقلال والصلابة والقدرة على حراسة المناطق الحساسة آخر لحظة!
أما شغل الحركات والجسور والطرق والإنشاءات والمدن الجديدة، فرغم ضرورته، لكنه لا يقارن بوظيفة الكلسون ولا يؤدي دوره، بل يشبه ملابس الموضة أو ربطات العنق الفاخرة، التي تتراكم فواتيرها على شكل ديون طويلة الأمد، ثياب فضفاضة قد تطير في أي لحظة بلا كلسون حارس تحتها!

كان بعض الكرام، يتساءلون عن حقيقة وجود ما يدفع الناس للتفكير بالرغبة في التغيير قبل عقد من الزمان عندما هبت رياح الربيع، كيف لمن لا يمتلك كلسونا أن يسأل هكذا سؤال؟

أعتقد أن فلسفة الكلسون هذه تجيب في ظرف كهذا بوضوح عن تردي أوضاعنا المتراكمة المكشوفة والمحزنة جدا، وعن انعدام الأوليات تماما، وحاجتنا الماسة والعاجلة للتفكير بعيدا عن حساسيات الماضي وميراث الأحقاد!

المرعب أن غياب الكلسون عن المشهد.. لا يتوقف ضرره على لفحة الريح والبرد! بل يغري الآخرين بما هو أعظم!
#هلا_بالخميس !
عمار دلول