الكاتب والمفكر نبيه السعدي يدق ناقوس الخطر.. النظام السوري يعمل على تخريب مناطق الدروز وتهجيرهم

سوشال-متابعة

الكاتب والمفكر نبيه السعدي يدق ناقوس الخطر.. النظام السوري يعمل على تخريب مناطق الدروز وتهجيرهم

كتب نبيه السعدي
من أوصلنا إلى ما نحن فيه؟
منذ فجر الكشف عن دعوة التوحيد في مطلع القرن الحادي عشر ميلادي 1017م؛ الخامس الهجري 408ه، وحتّى اليوم، لم يمرّ المجتمع التوحيدي بأزمات وأحداث، استهدفت تفتيت لحمته الاجتماعية، كما يمرّ به الآن.

كان المجتمع التوحيدي دائما عصيّا على الانقسام، ولم يسمح بنموّ أشواك ونباتات ضارّة في ربوعه، فهي إمّا انكفأت ذاتيا عن التواجد في بيئته غير الملائمة، أو أنّ قيم ومبادئ هذا المجتمع ساهمت في استئصالها

كما يستأصل الدواء الفاعل أمراض الجسم، ويقضي على الفايروسات والجراثيم الدخيلة عليه. كان هذا المجتمع بحقّ مصفّحا ضدّ الانقسام والتبعثر، إلاّ في فترات محدودة، سرعان ما تعافى منها بسرعة، دون أن تخلّف فيه آثارا، تستهدف منعته ووحدته.

ثمّة ثورات اجتماعية لازمة وضرورية كالثورة العامّية الأولى والثانية (1888- 1890)، شهدها مجتمعنا، هزّت عروش الظلم الاجتماعي، وحطّمتها في النهاية. لكنّ هذه الثورات لم تنطلق من تشتّت اجتماعي

بل من تآلف المظلومين عامّة في وجه الإقطاع والتسلّط، ومثّلت خطوات إيجابية جريئة على طريق التحرّر والتقدّم.

غير أنّ المجتمع التوحيدي لم يكن بعيدا عن المخطّطات المعادية التي استهدفت وحدته، بوصفه مجتمعا متماسكا

وقف دائما كجدار صوّانيّ، عزّ على التحطيم والاختراق، ألقى الرعب في قلوب الظالمين والعملاء على حدّ سواء

فعملوا على بعثرته مرّات ومرّات، عن طريق توزيع أفراده في أنحاء متفرّقة من الوطن، أو حاولوا تفتيته من الداخل بمعاول سياسية مغرضة.. لكنّ جميع هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم تترك في جسم هذا المجتمع سوى خدوش طفيفة، دملها الزمن ونسيتها الأجيال.

واليوم نتساءل؛ هل نحن أمام مؤامرة جديدة تستهدف مجتمعنا بالتفتيت، منتهزة انتشار البطالة في ظروف الحرب السيّئة، وصعوبة الحصول على لقمة العيش، فعمدت جاهدة على حبس الشباب ضمن حظيرة الفقر والفاقة

وفتحت أمامهم طريق الإجرام والتهريب والخطف وقطع الطرقات سبيلا سهلا للعيش، أو فليتّبعوا الممرّ الضيّق الخطير نحو الهجرة سباحة في البحر أو سيرا على الأقدام. جاءت مقدّمة المخطّط التفتيتي بتعميم الفلتان الأمني، ونشر السلاح

وتشجيع بالموافقة أو بالتغاضي لقيام جماعات مسلّحة متناحرة في كلّ بلدة ومكان، استقلّ كلّ منها بمنطقة، تماما على نمط إمارات الدواعش.. لكنّ المتآمرين أشرفوا على معظمها، إذا لم تكن جميعها، وأوقدوا نار البغضاء بينها

من خلال تناقض وتعارض المصالح، فامتلأت رؤوس أفرادها بالعداوات، وأصبحت مستعدّة بل توّاقة للصدامات.

بالتأكيد لا تشكّل نوعية وتركيبة المجتمع التوحيدي عاملا مساعدا في نموّ هذه الأشواك الضارّة بين مضاربه، ويشهد على ذلك تاريخه التضامني الطويل، حين عجزت أقسى الظروف المعيشية والنضالية عن دقّ إسفين التفرقة بين أبنائه..

يشير الواقع العملي إلى أنّ مؤامرة التفتيت الاجتماعي بدأت مع انجراف سورية في سيل ما يسمّى الربيع العربي، في منتصف آذار عام 2011، حيث تنحّت الأجهزة الأمنية عن وظيفتها في مجابهة المتظاهرين والمحتجّين

وجنّدت للقيام بتلك المهمّة جماعات من الخارجين على القانون، والمساجين، والمرتزقة، فسلّحتهم وزوّدتهم بالموبايلات اللازمة، كي يكونوا جاهزين ورهن الطلب. فحالما تلتئم تظاهرة شعبية ما، يسارع هؤلاء الشبّيحة لتلبية الطلب

والقيام بمواجهة المتظاهرين السلميين بالعصيّ والهراوات، حتّى يتفرّق شملهم.. لقد أظهروا التظاهرات المعارضة للنظام على أنّها لا تتعدّى مناوشات داخلية بين مؤيّدين ومعارضين في المجتمع الواحد

وبقيت السلطة في ظاهر الأمر على الحياد، بينما هي الداعم والمموّل والمخطّط لجميع تحرّكات وأعمال هؤلاء الشبّيحة. لقد راق الأمر للسلطة، فتخلّت شكليا عن جميع مهمّاتها الأمنية

وكلّفت المشايخ والزعماء بالتدخّل عوضا عنها في جميع عمليّات السرقة والخطف مع أبناء الجارة درعا، بينما هي مختفية في الظلّ، تخطّط وتوجّه عن بعد.. وبعد أن استفحل عدد الجماعات المسلّحة في المحافظة

تحت أنظارها وبموافقتها الضمنية، لجأت لأجل تنفيذ المخطّط التفتيتي إيّاه، إلى تحريض جماعة مسلّحة ضدّ أخرى، توصّلا إلى المواجهة المطلوبة بين أبناء المجتمع الواحد، والتي تزداد ضراوة مع جريان المزيد من الدماء.

من حقّنا أن نعتمد هذا التحليل، الذي يحمل نوايا السلطة على محمل السوء، فلقد بُحّت حناجرنا ونشفت أقلامنا، ونحن نناشد السلطة في المجالس والتجمّعات الشعبية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي

بأن تفرض هيبتها على الجميع، وتقضي على الفلتان الأمني، وتتصدّى للخارجين على القانون.. لكنّها أشاحت بوجهها وطنّشت، كأنّها لا تسمع ولا تقرأ ولا ترى.. فنشطت عصابات الخطف والسرقة، ومارست أعمالها الإجرامية نهارا في الطرقات العامّة

وأمام مخافر الشرطة، ومراكز الأجهزة الأمنية، التي سمعت ورأت، وما مانعت، ولا أظهرت حتّى مجرّد امتعاض ممّا يجري.. أليس هذا دليلا على انخراطها في مؤامرة مبيّتة للمحافظة، لم يتّضح حتّى الآن هدفها ومغزاها؟!

تذرّعت عن عدم تدخّلها، بأنّها لا تريد إثارة حفيظة أهالي السويداء، لكنّها في الوقت نفسه تصدّت بحزم وقوّة لكلّ فرد في المحافظة، تخلّف عن أداء واجب يخدمها، أو ضريبة لها فيها منفعة!!

لقد لبست السلطة طاقية الإخفاء، فكانت حاضرة ناظرة غائبة عن النواظر، تتلذّذ بما تراه من عمليات الخطف والسرقة، وكأنّها تشاهد فيلم أكشن سينمائي من وراء ستار.. ولا عجب في مثل هذه الحالة أن ينهار المجتمع

ويعمّ الفساد، ويستشري الغلاء، فيزداد المجرمون والفاسدون ثراء، في حين يتضوّر الأشراف جوعا، ويرتجفون مع أبنائهم من برد الشتاء بغياب وقود التدفئة، وتقنين الكهرباء والغاز إلى درجة الندرة.. كيف للمزارع أن يستمرّ في الزراعة

حين يتعب وينفق ما لدية من مال على زراعته، وعندما يأتي وقت الحصاد أو قطف الثمار، يقوم بذلك اللّصوص فيسلبونه جهده وثماره جهارا نهارا دون حسيب أو رقيب؟! كيف يعتني البستاني بأرضه

إذا كان ثمن أدوية الرشّ، تزيد عن ثمن مبيع الثمار أو تعادلها؟! في حين أنّ الأدوية تستوردها الحكومة أو مريدوها من الفاسدين، فيبتزّون أموال وجهود المزارعين.. هذا بينما يعلن وزراؤها ويصرّحون بأنّهم يعملون على دعم القطّاع الزراعي!!

فلا بورك بهم وبهكذا دعم مميت وقاتل!! كيف يستمرّ التاجر في تجارته، ضمن الهيجان والتقلّب المالي ساعة بساعة

يبيع بضاعته بربح صوريّ يحسب أنّه مجزٍ، وعندما يذهب لشراء البضاعة نفسها، يعجز عن شراء نصفها، نظرا للارتفاع الجنوني للأسعار.. وفي كلّ دورة مبيعات ينقص رأسماله إلى النصف أو الربع، حتّى يعجز في النهاية عن شراء الجزء اليسير من البضاعة

فيقع مفلسا على الحديدة.. هذا إذا وجدها؟! كيف يدرس الطالب، إذا كانت أجور مواصلاته اليومية تزيد عن راتب وليّ أمره؟! كيف يكافح الموظّف الفساد، إذا كان راتبه الشهري لا يكفي لشراء 1% من حاجات عيشه الضرورية؟!

كيف يعيش الإنسان في مجتمع، إن تعرّص فيه للسرقة أو الخطف، ومارس الدفاع المشروع عن نفسه، فقتل أحد المجرمين، يساق إلى القضاء، الذي يحيل أوراقه إلى المفتي العام بتهمة القتل العمد، بينما إذا قّتل هو، تسجّل الجريمة ضدّ مجهول.. يعني يذهب مع حياته هباء في هباء؟!

إذا كان هدف المؤامرة ترحيل الناس من بيوتها، فقد يرحل بعض الشباب، لكنّنا لن نرحل، لا لأنّنا استطبنا العيش في جهنّمهم، بل لأنّنا في سنّ لا يسمح لنا بالمغادرة.. وإنّا هنا لقاعدون..

من يملك غير هذا التحليل تطابقا مع الواقع.. فليتفضّل بتبيانه..
نبيه محمود السعديّ