ماذا يجري في القصر الجمهوري؟

ماذا يجري في القصر الجمهوري؟

هل خطر ببالك، عزيزي القارئ، لبرهة، أن تتساءل ما الذي يفعله المسمـّى والموصوف رئيساً لسوريا؟ وما الذي يقوم به من أعمال أثناء يومه كرئيس؟ وهل سرح خيالك وشطح مخك، في لحظة ما

لتفكر ما هي المهام والواجبات التي ينجزها هذا الفيلسوف أثناء وجوده في مكتبه بالقصر الجمهوري إيفاءً لقسمه الرئاسي واستجابةً لأعباء الأمانة الثقيلة الملقاة على كاهله لثلاثة وعشرين مليون سوري ألقى بهم القدر بين يدي هذا العابث؟

وهل تجثمت العناء وحاولت أن تتصور كيف يقضي وقته في ردهات القصر الجمهوري كما يفعل الرؤساء المحترمون، إذ يقوم هؤلاء «المحترمون» عادة بتنفيذ أجندة يومية معدّة سابقاً وملزمة لذاك الرئيس المحترم

والمنتخب شعبياً عادة، تقضي باستقبال، ولقاء يومي، والاجتماع مع كبار الاستشاريين والخبراء التكنوقراط والمتخصصين بالإدارة والحوكمة

والتجالس والتحادث مع نخب الاستراتيجيين والأكاديميين المتخصصين والمخططين الكبار والمفكرين لمناقشة أمور البلاد ودراسة وضع العباد ومن ثم اجتراح الحلول للأزمات والمشاكل القائمة

والعمل ما أمكن على تسهيل أحوال وأمور الناس المعيشية والبحث في كل ما من شأنه الارتقاء بأحوال البلد وتلبية متطلبات المواطنين ورفع سوية الأداء العام في كافة المجالات ومحاسبة المقصرين ومكافأة المبدعين

وبذل الجهود لتطوير البلد وإظهاره بمظهر لائق وتنافسي مقبول أمام شعوب العالم، ومن ثم الالتفات لقراءة ومتابعة كل التقارير اليومية الاقتصادية والاجتماعية والإحصائيات التي تعنى وتهتم بحياة الفرد «المواطن»

ومن ثم التفرغ لبعض المهام الرئاسية والواجبات البروتوكولية المتعددة كاستقبال رؤساء الدول والوزراء والسفراء وعليـّة القوم وتبادل الآراء في كل ما يخص أمور ذاك البلد المحترم ورئيسه المحترم

وإن اقتضى الأمر القيام بزيارات ميدانية للاطلاع على إنجاز المشاريع ونسب التنفيذ وحسن سير العمل ولقاء المواطنين، عفوياً ودون ترتيب مسبق

بالشارع والتجول في الطرقات لتفقد أحوال الرعية وكيف تعيش وكيف تسير أمور هذا البلد المؤمن هذا الرئيس المحترم على «ولايته» وإدارته.

قد يبدو هذا، ربما، ولوهلة، وللبعض، «سيناريو» وتصوراً مثالياً رومانسياً لبلد ما، مقارنة بما نحن عليه من كارثة ومأساة مع كائن هزيل، يختبئ مذعوراً ، وكان، سابقاً، يتلقى علاجاً في عاصمة غربية

وذلك وفقاً لشهادة، نائب رئيس سابق انشق عنه في العام 2005، لكن صدّقوني ودون مبالغة فتلك الأنشطة اليومية هي أقل ما يمكن أن يقوم به مسؤول مؤمن على الصالح العام.

والآن تعالوا معنا لإلقاء نظرة سريعة عما يجري في قصره من مهام رئاسية يومية في بلد مفلس منهار معطل ومصاب بشلل تام وما تقتضيه «المصلحة»

من اجتماع مع مجرمي حرب رسميين وقتلة مطاردين من العدالة الدولية وأردأ ما هو موجود في المجتمع السوري من مهربي مخدرات مطاردين من قبل الجنائية الدولية، و»عفيشة» ولصوص

وزعماء مافيات النهب باعتباره مرشداً لهذه الشراذم وليس رئيساً للشعب غير معني بقضاياه في بلد لا يوجد فيه، أصلاً، أي معمل، أو مصنع ولا منشأة، ولا مشروع، ولا حتى ورشة حياكة «جرابات» تعمل في ظل انقطاع تام للكهرباء لأيام وليالٍ طوال

وإفلاس لخزينة الدولة وتضخم مرعب وانهيار لعملتها وانعدام القوة الشرائية لها، وتوقف لكل المشاريع بعد نهبها وسرقتها عن بكرة أبيها من قبل حاشية وأعوان وأزلام وأقرباء هذا الطاغية المهووس بالمال.

ولا نبالغ القول إنه يقضي جل وقته مع مجموعة جلادين، ومحققين بالسجون يختطفون مئات الآلاف من السوريين، ويبالغ في قراءة التقارير الأمنية فقط للإيقاع بمزيد من الناس وإصدار المزيد من أوامر اختطاف واعتقال البشر وسحبهم من فراشهم بلباس النوم وزجهم في الزنازين لعقود دون أن يسأل عنهم أحد حيث يموتون هناك

ومن ثم يتفرغ للتباحث مع زعران وقتلة ومهربي مخدرات وكبتاغون من سقط المتاع في المجتمع للم «الغلة»، فنادراً ما تسمع أو يتناهى لك أنه اجتمع مع مفكر، أو مبدع، وجلس مع أكاديمي مرموق ومثقف «عليه القيمة» أو عقد لقاءً تشاورياً لبحث مشاكل وأزمات المواطنين

وكل زواره اليوميين هم من جنرالات الأمن القتلة المجرمين المكلفين بمطاردة وقتل وخطف المواطنين السوريين ومن ثم الاجتماع بزعماء مافيات النهب والتعفيش ومحتكري المواد الغذائية وقد أغلق كل معامل الدولة

كالسكر والمحركات الكهربائية تمهيداً لهوامير وحيتان العصابة لاستيراد المولدات والبطاريات، ومعمل الألومنيوم ووو كله كرمى لعيونهم ثم تخصيص جزء كبير من وقته الثمين للمدعو «أبو علي»

(رجل شبه أمي مطلوب لمحاكم شتى وكان يعمل على «نتافة» دجاج) واليوم يسرح ويميد في ردهات القصر باعتباره «المستشار» للرئيس وذراع المال الضاربة بالقصر للعصابة المسؤول عن قطاع الاتصالات (الموبايلات)

والمشروبات الروحية وارثاً «غوتا» من ابن مخلوف المعزول من سيدة القصر، كأهم واجهة مالية اليوم للعصابة الحاكمة وهو «خليل» وصديق شخصي للرئيس، ومعظم رموز وواجهات البلد اليوم من هذه السوية التي تدير البلد وتسيطر على قراره وتتحكم بلقمة عيش المواطن

ولا تنسوا بعد ذلك اجتماعه مع نائب رئيس بلدية أصفهان مثلاً موفداً من قبل الملالي لوكيلهم بالشام، ولقاء هام آخر مع حارس ومراسل السفارة الروسية، يرافقه الجنرال رئيس فرع فلسطين، لتلقي التعليمات اليومية له من حماته ورعاته الروس.

هل لاحظتم عنه، مثلاً، أنه لم يطلق، يوماً، تصريحاً يتيماً واحداً يـُعنى بمعاناة وهموم وعذابات ومجاعة وفقر السوريين وآلامهم التي لا تهمه مطلقاً ولا ينظر لهم إلا بشكل دوني لا يعنيه أمرهم على الإطلاق، ولا يمت لهم بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، كونه من منبت وأصول مجهولة غير سورية وغير عربية، بالمطلق؟

وهل سمعتم خلال مسيرة حياتكم عن قصر جمهوري ومؤسسة رئاسية رسمية تتحول لـ «شبه ملهى» للواتي أطلق أيديهن في أوصال البلد كتلك التي افتتحت مؤخراً مطعماً فخماً في دمشق، وبات «القصر» مرتعاً للهو بحماية جنرالات «الرئيس»

ولا هم ولا عمل له، بمكتبه، سوى التفكير بالسبل الأمثل لخطف المواطنين من بيوتهم وإصدار أوامر قتل واعتقال جديدة ومراسيم فتك وقتل وتصفية وجرائم إلكترونية لمطاردة وتعقب الشرفاء والأحرار والنشطاء وفرض ضرائب باهظة وجباية المزيد من الأموال ومص دم الشعب حتى آخر رمق لتغطية مصاريف ونفقات المسؤولين اللصوص الفاشلين والحرامية الذين لا يقومون بأي مهمة وعمل سوى الجعجعة الفارغة والتطبيل الأجوف بسجايا وعطايا «الرئيس التابع»

وبعد ذلك يقوم بأخذ صور «تذكارية» مع «مستشارات» و «خبيرات» يعج بهن القصر الرئاسي وعقد الخلوات مع فنانات من الدرجة العاشرة، وتصبح هذه المؤسسة الرئاسية، رسمياً، وبمعرفة كل دول العالم

وعلى عينك يا تاجر، مركزاً لإنتاج وتصنيع وتجارة وتوزيع المخدرات والكبتاغون عبر دول العالم وتقوم أجهزة أمنية وجنرالات كبار وجيش كامل بكل عدته وعتاده ووزارة دفاع بحماية هذا المقر الذي بات مركز عصابة تجارة الكبتاغون العالمي؟

وهل سمعتم عن جيش تحول بكامله مع جنرالاته زضباطه وصف ضباطه وجنوده إلى مجرد دمية وألعوبة بيد مجموعة من الزعران واللصوص والقتلة والجواسيس والمافيات التي تستخدمه كهراوة

وأداة قتل وتأديب وسيف مسلط على رقاب فقراء وشرفاء السوريين لحماية الفساد والفاسدين وأصبحت معه سيدة القصر مثلاً هي من تعزل وتـُعيـّن وتقوم بترقية كبار الجنرالات المحسوبين عليها

وعزل وتهميش الوطنيين فيه، في أكبر إهانة لشرف ومهنية وسمعة هذا الجيش وتاريخه المهني وحيث أصبحت هي الأخرى الحاكم الفعلي لبلد منهك مفلس منهوب مستباح مدمر غارق في المجاعات والبؤس والقلة والحرمان والأزمات والظلام والفضائح الصبيانية؟

في الختام شكر خاص للضباط والمقربين من القصر الجمهوري الذين ساهموا في كتابة هذا المقال التوثيقي.

فيصل القاسم: كاتب وإعلامي سوري لموقع القدس العربي
[email protected]